الثلاثاء، 26 يناير 2016

قارب الحياة

        "عند أطراف السماء" هي قصة قصيرة من إبداع محمد المنسي قنديل، حبكة القصة جعلتها تمس القارئ حيث عبرت عن أفكار لا تخلو من إحداها الحياة اليومية، فكيف يمر علينا يوم دون السعى لما نريد تحقيقه، أحيانا نظنه سرابا، او حتى بحثا عن المجهول، لذا قصد المنسي قنديل الإعتماد على تيمة البحث عن المجهول، و و السعي لتحقيق ما نطمح إليه، و الإحتياج و الإنتظار كأدواته لرسم لوحته "عند أطراف السماء"، بريشته رسم أبطال قصته، امرأة تبحث عن حبيبها و تريد الوصول إليه، و هو ينتظرها على شاطئ إحدى الجزر و لكنها لا تعلم أين تقع تلك الجزيرة، و اذ بقنديل رسم خط بدا في البداية أنه همزة الوصل بين ذلك الرجل و تلك المرأة، و لكن أوضحت الأحداث فيما بعد  النقيد، فالمراكبي الذي استقلت تلك المرأة قاربه أبدل مجهول الجزيرة التي تبحث عنها إلى معلوم تعيشه و تحتاج إليه، فحتى حين ظهرت الجزيرة بعد أيام و شهور اختارت بيدها ان تغير اتجاه القارب عن مجهول بدأت تظهر ملامحه إلى معلوم عاشت معه و فيه.

       لم تكن الأفكار معروضة العرض التقليدي من خلال الشخصيات أو المكان فقط، بل استطاع المنسي قنديل الربط بين الأفكار عن طريق تقديمها في أزواج امن المتقابلات، فالبحث عن المجهول وقف من البداية في مواجهة فكرة السعي للوصول، أما الإحتياج فكان الخط الذي حول المسار و قابل فكرة الإنتظار. من العنوان يبدو أن المنسي قنديل يميل إلى إدخال عنصر الرحلة، جذب إنتباه القارئ كي يعرف أين تقع أطراف السماء و كيف يستطيع الوصول إليها.

       تجسدت فكرة البحث عن المجهول من البداية في شخصية تلك المرأة المجهولة التي تبحث عن "رجلها" و تريد الوصول إليه على جزيرة لا يعرف عنها أحد شئ حتى ذلك المراكبي الذي لا يعرف إلا البحر و ثناياه، حيث أكد "ليست هناك أي جزيرة قريبة"، بعد أن عزز المراكبي غموض المجهول، بدأت الأحداث تتوالى لتفتيت المجهول و إيضاحه، فرغم ان المراكبي لم يمح لامرأة أن تخط بقدميها قاربه، وافق ان يشاركها رحلتها في البحث عن المجهول، فأوضحت تلك المشاركة -التي عززتها صيغة المثنى فيما بعد- أن السعي للوصول يقابل المجهول.
    
و في رحلة السعي للوصول من عرض البحر إلى الجزيرة تأكدت فكرة الإحتياج، فالطريق طويل و غامض، و الجزيرة غير معروفة، جسد قنديل -بجانب الحاجة إلى المأكل و المشرب و الملبس و المأوى- احتياج كل منهما للأخر، هو احتياج من نوع خاص، احتياج رجل ظنها سرابا حين طلت عليه للوهلة الأولى، و احتياج امرأة قضت مع غريب شهور و أيام في عرض البحر بحثا عن شخص اخر تدعوه "رجلها"، نجح المنسي قتديل في الجمع بين احتياجاتهما عن طريق استخدام ضمائر المثنى التي أقنعت القارئ أن حاجتهم المزعومة للدفء في عواصف الليل كانت ستارا على احتياج اخر نتج عنه وليدهما الرضيع، و قهر ذلك الوليد مجهول كانت تبحث عنه و لم يفكر بالتقدم خطوة للبحث عنها.

    كانت تيمة الانتظار رغم كشفها في اخر أسطر القصة تقابل فكرتي السعي و الاحتياج، و تطيح بمجهول كانت تبحث عنه و لم يبذل هو مجهودا لذلك بل وجدتها ينتظرها جالسا على صخرة، و هنا اختارت بنفسها تغيير المسار عن مجهول كانت تبحث عنه بعدما أصبح معلوم حيث ظهرت الجزيرة عند أطراف السماء، فضلت السعي على الانتظار على صخرة.

    اتضح من بنية القصة و اختيار المكان أن قنديل يعكس الواقع و كأنه يقول أن البحر في قصته يعكس الدنيا بأكملها و القارب يعكس قدرتنا على الحياة و البحث عنها، كما اتضح في النهاية ان السعي يوضح ملامح المجهول احيانا و يكشفه، و بهذا الاكتشاف قد تختلف الخيارات و الأولويات في نهاية المطاف.

(عن قصة "عند أطراف السماء" لمحمد المنسي قنديل، 26/122016)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق