السبت، 13 يناير 2018

شروخ و لكن

و في ثنايا الكسور تنبت الزهور
و ما انكسرت يوما إلا لتتيح للضوء ان يجلي الشروخ

و في تصدعات الشروخ تزهر الورود
و ما ثقل جناح الروح الا لنختبر قوته على تحمل الجروح

و في فتحات الجروح تفوح العطور
و ما امتلأالقلب بالهموم و فاض الا ليتيح خير الفياض

و في الفياض يمتلأالكون خيرا رغم اقتلاع الجذور
و ما يفيض العقل إلا ليزيح الغيوم

و ما نبتت زهور و لا تفتحت ورود و لا فاحت عطور
إلا بعدما اقتلع الفيض ما هلك من الجذور
و رمى داخلك ما جد من البذور

فتحمل تصدع شروخك
و ألام جروحك
و فيض همومك
و ثنايا كسورك...

مجرة

مجرة من عوالم مختلفة....احتضنها أو تحتضنني، لا أعلم، علنا نجتضن بعضنا البعض، أو نهدم بعضنا البعض بالأحضان، مجرة غابت شمسها كثيرا و حين عادت ظننت حضنها الدافئ ايجابي، و لكنني نسيت أو تناسيت انها حارقة، فأخذ الحضن يهدم و يكسر الجناح، و لكن تلك المجرة لا يمكن ان تنسى او حتى تتناسى احتضان عوالم أخرى من النجوم...كفت و وفت أضاءت ما اظلمته الشمس بحرارتها الحارقة، حاولت أن تخفف من فعلة ضغوطها على جناح لم و لن يكف عن النبض ابدا، و إنتهى العام و خو يحاول و مازال يحاول...يحاول فقط ان يستكمل النبض، فالرفرفة اصبحت حلما اخر، و اليوم اكتمل العام الخامس و العشرين، و ما زلن أسعى ألا يكون حتى النبض حلما يوما ما....كل عام و جناحي ينبض كل عام و نجومي الحقيقية تكسي عالم قلبي و عقلي...

زاوية


زاوية...
زاويةانكسر فيها الضوء.
زاوية...
تناثرت بها الأحلام أرضا.
زاوية...
حل الظلام أركانها.
زاوية...
تخلت فيها عن كل شيء.
زاوية...
غلب الوهم فيها كل ركن.
زاوية...
اقحمت فيها عنادها.
زاوية...
هزمت كبرياءها.
زاوية...
بدأ فيها عناؤها.
زاوية..
بدأت فيها كل ألامها.
زاوية...
ركلت فيها حلو ايامها...و استقبلت مرها.
زاوية...
احتوت كل شيء إلا كيانها.

عباءة بيضاء



عباءة بيضاء...لم يرتديها لأنه يريد بل وضعوه فيها حين ولد، عباءة بيضاء لم تتحمل حتى أبسط همومه و هو صغيرا لا يدري بشئ، فبدلوها عنه...ثم بدلوها عنه...ثم بدلوها عنه...
و حتى حين نضجت روحه و ارتداها بإرادته، تلطخت بهموم أكبر...أكبر من إرادته، حارب و ارتدى غيرها، فلم تظل على حالها، افترش الأرض غضبا، و لكنه حين استعاد وعيه،بدأ في البحث عن عباءة أخرى مثلها، ارتداها و مشى في عالمه ثانية، ما زال لا يفهم ان تلك الهاء الملحقة بعالم"ه" لا تعطيه حق الانفراد به و فيه، و اتسخت العباءة من جديد، و لكن هذه المرة تأذت عباءته ممن حوله اكثر من ذي قبل، بدأ يتساءل و لأول مرة "ماذا تفلون، لما أنا؟" و لكن لا حياة لمن تنادي...
لملم عباءته...أو ما تبقى منها و أغلق على نفسه ثانية، و بدأ ينظر إليها و يتساءل "إلى متى؟"
تحامل على نفسه، حاول نفض هموم عباءته، فشل، و لكن الأمور تأزمت أكثر حيث تثاقلت حركته عليه من شدة ما يحمل، حملته قدماه بالكاد، بدل عباءته ثانية...ثالثة...خامسة...عاشرة...سئم من العد، بل اعتاده فتنساه، خرج من جديد إلى عالم-دون الهاء-----
و انعادت الكرة، أقوى...أشد قسوة...يدور، يتراقص، يتمايل...تثاقلت خطواته و همومه أيضا...

ترقب


و في الآونة الأخيرة، تلعب دوراً تكرهه و لكنها لا تستطع أن تغيره، دورها فعال في حياة كل من حولها، و لكن تتوقف فعاليته بل و يتحول إلى دور شرفي في حياتها هي، تقف بعيداً و تشاهد، ذلك يستغل قدرتها على الصبر، و هذا ينتهز كل الفرص كي يستنزفها، و هؤلاء لا تهمهم هي بل ما تقدمه، و أولئك يتفننون في القضاء عليها عمدا أو بغير عمد، و وقوفها و صمتها يوحي لهم أنها لن تثور ثانية، نعم لقد فعلوا الكثير لتصل إلى هذه المرحلة، فاقتنعوا أنهم نجحوا، و لكن في الحقيقة فهي تستمتع بالمشاهدة بل تستمتع بذلك الإيحاء الواصل لأولئك و هؤلاء أنها لن تثور ثانية...فالمشاهدة أحياناً مكسب، و لكنها تعلم أن هذه الفترة هي ترقب اكثر منها مشاهدة، و لكنها لن تترقب إياهم ثانية، هي تترقب و ترتب أوراقها كي تثور لنفسها و تتحول من الركن الشرفي في حياتها لتعود لنفسها، ذلك لا يعني أن تتوقف عن فعاليتها في حياة الآخرين، و لكن الفعالية يجب أن تبدأ عندها أولاً...

السبت، 23 أبريل 2016

المحطة



"يلا بسرعة هاتي الشنط و هننزل من السلم ده عشان ننزل عند العربية بالظبط", "مش فارقة كتير قال يعني الشوية دول هيفرقوا", "شيلي من هنا حطي هنا"، و ما هو إلا موجه و مرشد، نزلا السلم المختار و جلسا على المقعد المختار، و وضعوا الحقائب في المكان المختار، "لو يسكت شوية اوامر اوامر...اوف بقى، صبرني يا رب"، "هروح اشرب قهوة هنا على م ييجي القطر"، أخيرا سيصمت، تحمد الله في بضع الدقائق أو الساعات التي تقضيها دونه، "روح يا أنيس" ، ذهب و تركها، حدقت في السماء التي تنبؤ بالمطر، و لكن ما هذا الضجيج؟، هل هي تمطر و لا تراها؟ هل وصل القطار؟...
"بعد اذنك يا أبلة ممكن تشيليني دي" , قطع خلوتها صوت ملائكي صغير، و لكن بقدر براءته يحمل من الهموم اثقالا، تنظر فتجد فتاة صغيرة و نحيلة، منحوتة ملامحها ، بالكاد تفتح عينيها من التعب، "اشيلك ايه يا حبيبتي؟" ، تشير الفتاة إلى ذلك الطبق الكبير الذي يضم ما يبدو أنه يساعدها على كسب قوت يومها، "البتاو ده، بس بالراحة ليتكسر و ابويا يموتني" , نظرت إليها كأنها تفحصها جلبابها الصغير المرقع، ضفيراتاها المتدليتان على صدرها الذي لم تتضح له معالم بعد، "انتي منين يا حبيبتي و بتعملي ايه هنا؟" و بلكنتها التي وضحت معالم الريف في نبرات صوتها "أنا من كفر الشيخ، وجيت مصر مع أبويا، اصل بجيب حاجات لجهازي، و هو بيسترزق هنا في القطر"، صدمتها كلمة "جهازي" فسألتها محاولة إنكار ما طرق على ذهنها "جهاز ايه يا حبيبتي؟" و جاءت الكلمات بنفس سرعة القطار القادم من بعيد و كانت واضحة رغم صوته المزعج، "حاجة جوازي يا أبلة؟ أبويا هيجوزني عوضين", خال لها للحظة ان الضوضاء تهيئ لأذنيها معلومات مغلوطة، و لكنها متأكدة أنها سمعت ما قالته الفتاة، "أنتي أسمك إيه يا حبيبتي"، "نحمده" ، "عندك كام سنة" ، "عندي 13 و ماشية اهو في ال 14، مش هتشيليني البتاو بقى يا أبلة عايزة أشوف أبويا فين؟" ، تنظر إلى عينيها التي يغلب عليها النوم و هي تقاومه، ربما الشئ الوحيد الذي تقاومه، و لكنها تفكر "هو انتي ناقصة هشيلك ايه يا بنتي و لا ايه، ده انتي شايلة جبال و لا دريانة".
 ساعدت تلك الصغيرة على حمل ما لا تطيقه براءتها المفقودة، تعجبت من نفسها فهي لم تتذمر من اقتحام تلك الصغيرة الدقائق القليلة التي تقضيها دون "أنيس" و أوامره، هل كان الامر مختلفا، أم ان الوجع مشتركا؟ لا حقت الفتاة بعينيها، يتمايل جسدها الصغير، تختال بحملها سائلة و إذ بأبيها ينقض عليها "كنتي فين يا نحمده، مشيلاني كل ده يا به هو شواري و لا شوارك"، لم يفكر لحظة قبل وضع الحمل الذي في يده في أيدي نحمده، "امسكي ياختي مش هتتجوزي لوحدك"، يجرها من كتفيها فالقطار قادم، مجرورة و مجبورة، تقول في نفسها "يكون في عونها و تتحمل بدل عوض واحد عوضين"، وقف القطار و اختفت نحمده في الداخل، كأنها كانت سراب، لم تلمح منها شئ، خبط أنيس على كتفها "مش تناديني يا هانم هو القطر مش جه"، نظرت إليه و كأنها تتفحص ملامحه للمرة الأولى، يرجها رجا من كتفيها "انتي متنحة كدة ليه، يلا القطر هيمشي"،  أعادت النظر إلى غيوم السماء ثانية، و لكنها تمطر الأن، تشعر بندى القطرات على يديها..."انا مش مسافرة معاك يا أنيس" قالتها في قوة لم يتوقعها، قوة غطت على ضوضاء القطار و المحطة، "انتي اتجننتي..."، يزلزلها برجة كتفيها ثانية، "فوقي..."، و لكنها بالفعل فاقت فلا داعي لما يفعله، "أنيس أنا مش هتجوز عوض اتفضل دبلته اهي مش عايزة فرحة بلاستيك، مش مسافرة" ،كان القرار واضح و صريح، نظر إليها متعجبا، أول مرة ترفض ما يختاره، و لكن عوض سدد ديون أخيها أنيس مهرا لها، "يلا يا هدى القطر هيمشي بلاش دلع"، و لكنها لا تتدلع" هو يقهم جيدا ان كلامها يحمل من الجدية ما لم يراه منها من قبل، "الحقه انت لو عايز"، تركته و استدارت و مشت عكس اتجاه القطار، و مشى القطار أيضا، و ظل أنيس ينتظر في مكانه ، كانت المرة الأولى التي ينتظر فيها دون أن يقرر أو يختار...

فتارين




"انتي فين يا بنتي مش شيفاكي"، تلتف حولها بحثا عن صديقتها في المول، "انا جوة في الكافيه اهو"، دخلت إلى المقهى، و تعجبت لما لا تتذكر في كل مرة ان هذا الزجاج لا يوضح لمن في الخارج من يجلس بالداخل، لعلها تعودت على زجاج الفتارين الشفاف، "كل مرة عبيطة بتشاور لك من جوة و هبلة مش شيفاها من برة...ههههههههه مش هنبطلها على فكرة اصل احنا اتعودنا"...
احتضنا بعض و تبادلا كلمات الشوق ثم جلستا و طلبا مشروبهما المفضل "2 موكا لو سمحت"، "وش تقيل و كريمة و صوص كراميل"، لا تفرق من يطلبه قبل الاخر، تبادلا أطراف الحديث، "يا بنتي هي هتفضل كدة عادي يعني"، اعتادت على ردها فهي ستظل كما هي، قليلة الكلام و لكنه ممتع، "اشربي اشربي" يستمتعا سويا بحبات السكر البني الذي يرشاه على سطح الوجه السميك و لا يقلبا، تسألها ثانية "أيوة بس ليه كدة، بيلمعوا على الفاضي، طفي النور و هتلاقيهم يع يعني" ، "يلا عشان ألحق اشتري الفستان طيب"، نطلب الحساب و نغادر متجهين إلى فتارين السواريه، "قيسي ده طيب" ...واحدا تلو الأخر، ذلك يحتاج تعديلات و هذا لا يليق و الاسود جميل و لكنه قاتم...تلفت نظرهما فترينة الكاجوال، "بصي ده حلو اوي"، ينظرا إليها ثم يتطلعا ضاحكتان إلى بعضهما...
يكملا المشي، يمران بين ذلك الزجاج الشفاف، فتارين فتارين فتارين ، "عارفة ان الفتارين دي بقى بيتعرض فيها ناس"، تنظر إليها متعجبة، "الموكا عملت شغل عالي و لا إيه"، "بصي ده", تشير إلى ذلك الفستان الفضي الذي أخذتها لمعته، يدخلا لتجربه، "بيلمع اوي مش انتي، ممكن يلبسه اللي بيتعرضوا في الفتارين"، تضحكا بصوت عال، جعل الفتيات في المحل يتعجبن منهما...يرن هاتفها فإذ هي أمها "انتي فين يا هانم اخلصي عشان كدة كدة هتروحي الفرح سواء جبتي فستان أو مجبتيش"، "حاضر أنا في المول اهو"، تغيرت تعابير وجهها بعد المكالمة، فسألتها صديقتها و لكنها لم تجب

خرجا من المحل، و قالت لها "مش هجيب سواريه اصلا"، تعتقد أنها محقة، فالفرح أيضا فترينة من نوع خاص، لسلع لم تخلق لتكون سلعا، أتخيل الفرح دائما كقاعة من الزجاج الذي لا يكشف لمن بخارجه ما يحدث بداخله، و لكن كل من بداخله يرون بعضهم بوضوح و تجلي، "ايييييه سرحتي في ايه؟"، تجيب بالنفي فتسحبها من يديها إلى فاترينة الكاجوال الأولى، "بصي عشان نجيب من الاخر، الكاجوال واضح و صريح" ، "طيب يلا بينا "، جرتها من يدها و دخلوا المحل، قصدت هذه المرة ان تختار نمطا مختلفا عما ترتديه دائما، اختارت تلك الألوان النهارية، حيث القميص الكتان الأبيض و قصدت فوقه ذلك "الفيست" بنقوشه الشرقية حيث النخيل العالي و الشمس بينه ساعة الغروب، و أكملت الصورة بذلك البنطال المرقع الذي تثق جيدا أن أمها لن تسمح لها بالذهاب به إلى الفرحة حيث أنه لا يحقق صورة السلعة المرغوبة في فاترينة العرض و الطلب، دفعت الحساب ثم دخلت إلى الكوافير، طلبت هذه المرة من مصفف شعرها تلك القصة الغريبة التي عرضها عليها مرة و لم تقبلها، قصته و صبغته بدرجة جديدة من اللون الكستنائي، ودعت صديقتها و ذهبت إلى البيت بعد الاتصال العاشر تقريبا من أمها...فوعدت والدتها انها ستلحق بها إلى قاعة الفرح...
دخلت البيت مسرعة إلى غرفتها، بدلت ملابسها بذلك الطاقم الكاجوال الجديد، و صففت شعرها لتظهر قصته الجديدة، و مسحت طلاء أظافرها، و لبست خواتم فضية بطابع شرقي غريب، و نظرت لنفسها في المراة راضية و اتجهت إلى الفرح، تلك الفترينة الواسعة التي تنتظرها، أخذت نفسا عميقا و دخلت بهدوء، و في حالة من الجدل الذي تتوقعه انجذبت نحوها العيون و تبارت الألسن في التعليق على شكلها غير المألوف، لفتت الكلمات نظر أمها فنظرت إلى تلك الفتاة التي أصبحت حديث الجميع لتجدها ابنتها، فهبت غاضبة و مؤنبة...و قابلتها هي بابتسامة عريضة تنم عن رضا لتلك الفترينة التي اجبرت على التواجد فيها ....و لكن كما تحب أن تكون ...فقط كما هي و ليس سلعة.