الخميس، 23 أبريل 2015

كنكة قهوة



كنكة قهوة

"يا اللي تبات الليل سهران، من إيدي لو تشرب فنجان، راح تلاقي السلوى، و الدنيا تصبح حلوة"، تعشق رائحة القهوة بصوت أسمهان الدافئ، و تذوب في طعمها من يد أمها، ليالي السهر الطويلة، و أيام الإمتحانات و تعبها، كانت الأم تدخل عليها الغرفة بهذه الأغنية، و تحديداً هذا المقطع، تتعايش معها، و تتذوق القهوة و كأنها المرة الأولى في كل مرة، تنتقل إلى عالم اخر. انتهت الإمتحانات، و مر الوقت، و انجذبت لمشاغل الحياة، و في الغالب لم تعد الأم تسمع هذه الأغنية، أو ربما لم تعد هي تراها تسمعها، هل نست الأم؟! أم هي التي انجرفت مع مشاغل الحياة؟!
خافت أو ربما أجلت المواجهة، و سؤال أمها، و لكن ما زاد حيرتها، أنها دخلت المطبخ و لم تجد الكنكة النحاسي، التي طالما إلتف حولها دفء نار "السبرتاية"، و حيوية حواديت أمها في ليالي الشتاء الباردة، لم تسأل أمها عن الكنكة أيضاً، و لكن سألت أبيها: "مشوفتش الكنكة النحاسي يا بابا", "لا مشفتهاش"، أقنعت نفسها أنه لا يهم، فالكنكة العادية تفي بالغرض، وضعت القهوة على النار، و سرحت بعيدا، حاولت أن تتناسى اللون النحاسي فوق دفء النار التي تشعلها حواديت الأم، و لكن. فارت القهوة، انقبض قلبها عندما أطفأ فوران القهوة النار، و سرعان ما حاولت إقناع نفسها أنه لا داعي أن تكون القهوة "بوش".
و في اليوم التالي وجدت نفسها تتصل بصديقاتها، و ترتب للخروج و التنزه، ربما كانت حجة، أو مجرد محاولة للتناسي، خرجوا بالفعل، و كان أول اقترحاتها الذهاب إلى خان الخليلي، لم يتردد صديقاتها فلهم في الخان ذكريات من أيام الجامعة، وقفت الفتاة لشراء كنكة نحاسية، فقد فشلت في إقناع نفسها أن الكنكة العادية تفي بالغرض، استمتعت باليوم، و استعادوا ذكرياتهن معاً، و اذ بالصديقات يسألن عن الأم "هي طنط ذكرى عاملة إيه؟ وحشتنا القهوة مع حواديتها"، لم تستطع الرد، فهي نفسها لا تعرف شئ عن حواديت ذكرى منذ ما يقرب من سنتين الأن.
و عندما عادت ذالك اليوم، وجدت أسمهان تغني، و بالصدفة نفس المقطع، وضعت كنكة القهوة النحاس الجديدةعلى نار هادئة، و دخلت هي تلك المرة على أمها بالقهوة، و حين دخلت وجدتها تدندن مع الأغنية "أهوى! أه يا مين يقول أهوى! أسقيه بإيدي قهوة"، لم تنتبه الأم حتى لدخول ابنتها، و إذ بالفتاة ترد دندنة أمها "و أنا أهوى اللي يقول أهوى، و أسقيه بإيدي قهوة"، وجدوا انسجاما مع القهوة هذه الليلة، لم يشعروا به من فترة طويلة، ذلك التناغم و الانسجام لم يذكر الفتاة بذكريات فاتت فقط، و لكنه أيضا جعلها تشعر بالندم لعدم انتباهها لإنتظار أمها للقهوة من يدها، ظلت تنتظر كنكة القهوة من أمها كل هذا الوقت، و هي التي كانت تنتظر الإبنة و معها كنكة قهوة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق